-->

فتح النيران على دراسة تزعم التنبؤ بملامح الوجه باستخدام الحمض النوويّ



دراسة تزعم أنه يمكن التنبؤ بوجه شخص ما، بناءً على الجينوم الخاص به، وتتلقَّى وابلًا من الانتقادات من الخبراء.
دراسة تزعم أنه يمكن التنبؤ بوجه شخص ما، بناءً على الجينوم الخاص به، وتتلقَّى وابلًا من الانتقادات من الخبراء.


انهالت الانتقادات على ورقة بحثية نشرها رائد أبحاث تسلسل الجينوم، كريج فنتر، يزعم فيها التنبؤ بالصفات الجسمانية من الحمض النوويّ. ويقول مراجعو هذه الدراسة، بل وحتى أحد مؤلفيها، إنها تبالِغ في زعمها إمكانية استخدام جينات شخص ما، للتعرف على هويته، الأمر الذي قد يتسبب في إثارة المخاوف بشأن الخصوصية الجينية، دون داع.
في هذه الورقة البحثية، التي نُشِرت في يوم 5 سبتمبر في دورية «بروسيدينجز أوف ذا ناشيونال أكاديمي أوف ساينسس يو إس إيه»، قام فنتر وزملاؤه في شركة «هيومان لونجيفيتي إنك» - التي يقع مقرها في سان دييجو بكاليفورنيا - بتحديد تسلسل الجينومات الكاملة لعدد 1,061 شخصًا من مختلف الفئات العمرية والسلالات العرقية (C. Lippert et al. Proc. Natl Acad. Sci. USA http://doi.org/ccxn; 2017). وباستخدام البيانات الجينية، إضافة إلى صور فوتوغرافية ثلاثية الأبعاد، عالية الجودة، لوجوه المشاركين في الدراسة، اتبّع الباحثون نهج ذكاء اصطناعيّ؛ للتوصّل إلى اختلافات دقيقة في تسلسل الحمض النوويّ، تُعرَف باسم تعدُّد أشكال النيوكليوتيدات المفردة (SNP)، وترتبط بملامح الوجه، مثل ارتفاع عظمة الوجنة. بَحَثَ الفريق أيضًا عن تعدُّد أشكال النيوكليوتيدات المفردة، التي ترتبط ببعض العوامل، مثل طول الشخص، ووزنه، وعمره، ولون بشرته.
نجح هذا النهج في التعرف على الأفراد بنسبة 74% في مجموعة مكوّنة من عشرة أفراد، اُختيروا عشوائيًّا من قاعدة بيانات شركة «هيومان لونجيفيتي إنك». وتشير هذه النتائج - حسبما ورد في الورقة البحثية - إلى أنه يتحتم على الجهات المنوط بها تنفيذ القانون، والعلماء، وغيرهم ممن يتعاملون مع الجينومات البشرية أن يحموا البيانات ذات الصلة؛ كي يَحُولوا دون التعرّف على الناس من حمضهم النوويّ فقط. وقالت الشركة في بيان لها إن "الاعتقاد الأساسي لباحثينا يتمثّل في أنه لم يعد هناك حَجْب حقيقيّ للهوية، أو خصوصية كاملة في قواعد البيانات المتاحة للعامة".
ولكن ثمة علماء وراثة آخرون قالوا، بعد الاطلاع على هذه الورقة البحثية، إن هذا الزعم مُبالَغ فيه من وجهة نظرهم، حيث يقول مارك شرايفر، المتخصص في عِلْم الإنسان بجامعة ولاية بنسلفانيا في يونيفيرستي بارك: "لا أعتقد أن هذه الورقة البحثية تطرح هذه المخاطر، لأنها لم تبرهِن على أي إمكانية للتعرف على الفرد من حمضه النووي". ويضيف شرايفر قائلًا إنه في مجموعة مختارة عشوائيًّا، مكوَّنة من عشرة أفراد - خصوصًا إذا كانت منتقاة من قاعدة بيانات صغيرة ومتنوعة، كقاعدة شركة «هيومان لونجيفيتي إنك» - تكفي معرفة العمر، والنوع، والعِرْق فقط؛ لاستبعاد معظم الأفراد.
وللبرهنة على ما سبق، دَرَسَ يانيف إرليش، وهو متخصص في علم الأحياء الحاسوبيّ في جامعة كولومبيا بمدينة نيويورك، بيانات العمر، والنوع، والعِرْق، الموجودة في الدراسة التي أصدرها فريق شركة «هيومان لونجيفيتي إنك». وفي دراسة نُشِرت في يوم 7 سبتمبر على خادم ما قبل الطباعة «bioRxiv»، قدَّر إرليش أن هذه الخصائص الثلاث فقط كانت كافية للتعرّف على فرد من بين مجموعة مكوّنة من عشرة أشخاص في قاعدة بيانات شركة «هيومان لونجيفيتي إنك» بنسبة 75% (Y. Erlich Preprint at bioRxiv http://doi.org/ccxp; 2017). ويؤكد إرليش بأنه لم تكن ثمة حاجة إلى معرفة أي شيء عن جينومات هؤلاء الأفراد. ويضيف قائلًا إنّ هياكل الأوجه التي أعاد فريق الدراسة رسمها من تعدُّد أشكال النيوكليوتيدات المفردة ليست دقيقة بدرجة كافية؛ إذ تبدو شبيهة بملامح الكثيرين ممن ينتمون إلى النوع والعرق ذاتهما.
يقول شرايفر كذلك إن هذه الورقة البحثية قُدِمت مِن قَبْل إلى دورية «ساينس»، حيث راجعها، قبل نشرها في دورية «بروسيدينجز أوف ذا ناشيونال أكاديمي أوف ساينسس». ويضيف شرايفر قائلًا إن البيانات الفعلية للدراسة سليمة، وإنه معجب بأسلوب المجموعة المُبتكَر لتحديد العمر، عن طريق تحديد تسلسل أطراف الكروموسومات التي تقصر مع مرور الزمن، إلا أن الدراسة لا تبرهِن على إمكانية التعرف على الأفراد باستخدام حمضهم النووي، كما تزعم. ويضيف قائلًا: "أعتقد أنها تُحَرِّف ما فعله فريق الدراسة، وما توصل إليه".
وتقول شركة «هيومان لونجيفيتي إنك» إنّ ورقتها البحثية تنص على أنه يمكن استخدام العديد من المؤشرات، التي يمثّل وجه الشخص واحدًا منها فقط، من أجل التعرّف على شخص ما، بناءً على دراسة ما يزيد على ألف جينوم. "وتُبشِّر هذه الدراسة بزيادة دقة التنبؤات بمرور الزمن"، حسب قول هيزر كولاسكي، المتحدثة باسم الشركة. وصرّحت الشركة أيضًا بأنها تدعم المنهجية التي اتبعتها، وتقرّ بصغر حجم العينة. ويضيف التصريح أن "فريق الشركة يعمل على الردّ على الانتقادات التي وجهها يانيف في دراسته المنشورة على «bioRxiv»".
ويقول شرايفر إنه هو وإرليش قد طرحا مآخذهما على الدراسة لمؤلفيها في إطار مراجعاتهما لها عندما قُدِّمت للنشر في دورية «ساينس». ويقول كلٌّ من شرايفر، وإرليش إن الدورية رفضت نشر الورقة البحثية في نهاية المطاف (ولا تعلِّق هذه الدورية على الدراسات غير المنشورة). قُدّمت الدراسة بعد ذلك إلى دورية «بروسيدينجز أوف ذا ناشيونال أكاديمي أوف ساينسس» باستخدام خيار يسمح لأعضاء رابطة الأكاديميات الوطنية للعلوم والهندسة والطب في الولايات المتحدة، مثل فنتر، أن يختاروا المراجعين؛ فكان اثنان من مراجعي الدراسة خبيرَين في خصوصية المعلومات، وكان ثالثهما متخصصًا في أخلاقيات علم الأحياء. وأكدت دورية «بروسيدينجز أوف ذا ناشيونال أكاديمي أوف ساينسس» أن فنتر اختار المراجعين الثلاثة في هذه الدراسة. ورفضت شركة «هيومان لونجيفيتي إنك» التعليق على عملية مراجعة دورية «بروسيدينجز أوف ذا ناشيونال أكاديمي أوف ساينسس» لهذه الدراسة.
ويتفق جيسون بايبر - متخصص علم الأحياء الحاسوبيّ، الذي شارك في تأليف هذه الورقة البحثية، ويعمل الآن في شركة «آبل» في سنغافورة - مع الرأي القائل إن الدراسة تُحرِّف حقيقة النتائج التي توصّلت إليها. ويضيف قائلًا إن عَقْده مع شركة «هيومان لونجيفيتي إنك» لم يعطه الحق في الموافقة على مسودة البحث، قبل تقديمه إلى النشر؛ الأمر الذي يخوّل للشركة تقديم البيانات الخاصة به بالطريقة التي تراها مناسبة. وقد ردت الشركة بأن "المؤلفين قد مُنِحوا فرصة مراجعة الورقة البحثية والتعليق عليها".
ومنذ ذلك الحين، انتقد بايبر الدراسة بشدة على «تويتر»، وقال إنه يرى تعارضًا محتملًا في المصالح - من وجهة نظره - في تشجيع شركة «هيومان لونجيفيتي إنك» لتقييد الوصول إلى قواعد بيانات الحمض النووي؛ إذ إنها شركة تهدف إلى الربح، وتأمل في بناء أكبر قاعدة للبيانات الجينية البشرية في العالم.
ويذكر بايبر أيضًا أنه "يعتقد أن الخصوصية الجينية مهمة للغاية، لكن النهج المُتبَع في هذا الشأن خاطئ". هذا، وسيكون من الأكثر نفعًا التوصّل إلى طريقة لجعل بيانات الجينوم متاحة للعامة، دون السماح بالتعرف بواسطتها على هوية الأفراد.
رَدَّت شركة «هيومان لونجيفيتي إنك» على الانتقادات التي تعرضت لها الورقة البحثية بأن "الشركة تتمسك بحماية بيانات الجينوم، ودعم الحلول الحديثة لتبادل البيانات". وأضافت قائلة إن الدراسة كانت تهدف إلى إثارة النقاش حول طرق تبادُل المعلومات الجينية مع حماية خصوصية الأفراد.
ولا يزال إرليش متوجسًا من أن تعطي مكانة فنتر أهمية إضافيّة لهذه الدراسة في عيون صُنّاع السياسات، الذين قد يتخوّفون بصورة زائدة بشأن خصوصية بيانات الحمض النووي. ويقول إن "القواعد واللوائح الجديدة قد تُوضَع على أساس مثل هذه النوعية من الأوراق البحثية. ولذا، ينبغي أن نفهم الحقائق جيدًا عند تعامُلنا مع مخاطر الخصوصية". 
المصدر:
سارة ريردون

اضغط هنا للتعليق
 
]